يجلس على كرسي خشبي في ورشته الصغيرة التي اتخذ من إحدى غرف منزله مقرا لها، أمامه المئات من الأجهزة يقوم بتصليحها وإعادتها لأصلها، حيث يعمل في صيانة الإلكترونيات بجميع أنواعها، وهو ما كان سببا في شهرته بين أهالي قريته.
جمعة رمضان، 32 عامًا، من قرية السنباط التابعة لمركز الفيوم، كهربائي إلكترونيات، تمرد على إعاقته، وتحدى كل الصعاب التي واجهته، فعمل في عدة مجالات مختلفة، حتى استقر أخيرا في مجال صيانة الأجهزة الكهربائية.
بداية الرحلة
“عملت في عدة مجالات، فتحت مطعم صغير، ثم اتجهت لمهنة الحلاقة، ولكن لم أجد نفسي في هذه المهن، فاتجهت لصيانة الأجهزة عن طريق الصدفة، وتدريجيًا وجدتها مهنة مناسبة لإعاقتي الحركية، حتى ارتحت نفسيًا بها، وبدأت بغرفة صغيرة في منزلي، والتي تحولت تدريجيا لأكبر ورشة صيانة في القرية حاليًا”، هكذا يروي جمعة رمضان كيف بدأ عمله.
يحكي رمضان أنه في البداية قام بفتح غرفة صغيرة لصيانة الأجهزة في منزله قبل أن يتزوج، ثم حولها لورشة صغيرة، لتصليح أجهزة أصدقائه والعائلة، ثم بدأ بعدها في استقبال الزبائن.

شهرة واسعة
وعن شهرته في قرية السنباط، يقول رمضان “أصبحت مشهورًا في قريتي وخارجها، خاصة ظروفي الصحية ومهارتي المهنية، ورزقني الله بزبائن كثيرة، ثم افتتحت ورشة كبيرة بجوار المنزل، وزاد عليها الإقبال من أهالي القرية ومن خارجها، ومستعد حاليا أصلح أي أجهزة إلكترونية”.

خبرة طويلة
“أعمل كهربائي مُنذ 20 عاما، وأول عمل لي في المجال عندما كان عمري بين 15 و17 عاما، وأنا الوحيد في عائلتي الذي أعمل في مجال الإلكترونيات، فهي ليست وراثة بل اكتسبتها عن طريق الصدفة، كنت ببوظ أجهزة كتير في البيت ومن خلال تركيزي في إعادة الجهاز لما كان عليه تعلمت المهنة حتى احترفتها جيدًا، وأي جهاز بقى سهل جدًا عليا أصلحه”، هكذا يحكي فني الإلكترونيات.

شريكة الحياة
تزوج جمعة في عمر 20 عاما، وهو أب لأربعة أولاد حاليا، ولكن واجهته عدة مشكلات قبل الارتباط بسبب إعاقته، تغلب عليها وتحدى الظروف، حتى وجد شريكة حياته، “رزقني الله بزوجة راضية بهذا القدر وتساعدني كثيرًا في عملي وحياتي الشخصية، وتقف بجانبي كالظل تلازمني في كل وقت أعيشه”.
وبحزن شديد يحكي جمعة عن أسباب حرمانه من الالتحاق بالتعليم، “لم التحق بأي مدرسة لظروفي الأسرية الصعبة، ولكن رغبة مني في التغيير للأفضل التحقت مؤخرًا بفصول محو الأمية من منزلي، نظرًا لمرضي”.

ظروف المرض
يتحدث جمعة عن ظروف مرضه “كان سبب إعاقتي هو إصابتي بمرض هشاشة العظام مُنذ الصغر، وبسبب هذا المرض أي حركة أتعرض لها تتسبب في كسر رجلي مباشرة، كنت أسير على قدماي حتى بلغت 11 عاما، إلا أن المرض كبر معي عاما يلو الآخر، وتكرر كسر رجلي مع مرور السنين، حتى أصابني الشلل ولم أستطع السير على قدمي ولا الوقوف، وأزحف على الأرض بدون كُرسي متحرك، وظروفي المادية لا تساعدني على شراء كرسي متحرك، وأحاول الزحف على قدر المستطاع، وهذا يرهق يداي كوني أزحف بهما على الأرض”.

صعوبات في العمل
“أصعب المواقف التي أواجهها هي الشيل والحط، الوقوف ونقل جهاز من مكان لآخر، خلصت صيانة جهاز التلفزيون وعاوز أشيله وأجيب غيره، بيكون صعب أن أقف أو أشيل حاجة وأنا بزحف، أولادي وزوجتي بيساعدوني لأن الورشة في محيط المنزل مباشرة، وتعتبر زوجتي تعمل معي في المهنة، يدها في يدي، ودونها لا أعلم كيف أعمل أو أتحرك”.

عملية جراحية
يؤكد فني الإلكترونيات أنه لا يوجد علاج لحالته الصحية، فهي تحتاج إلى عملية جراحية منذ صغره، وهو ما لم يتوفر بسبب عدم قدرة والده المادية، ولم يحاول خلال السنوات القليلة الماضية إجراء تلك العملية بسبب أن دخله المادي من عمله بالكاد يكفي قوت يومه وأولاده.

أمنيات وتحديات
وبعد حديث طال لساعات تخلله بعض لحظات الحزن التي كان يقاومها جمعة رمضان بالأمل وإعلان التحدي على كل ما يواجهه، يقول “أرجو أن تتوسع ورشتي، وأن يكون لدي وظيفة ثابتة بأجر شهري، كتأمين لأولادي، وأن تتحسن حالتي المادية لأقوم بإجراء عملية جراحية، حتى أستيطع الوقوف على قدمي، وإذا أتيحت لي الفرصة لاستكمال تعليمي، سأكمله في مجال الإلكترونيات حتى أطور من عملي لأنه المجال الوحيد الذي وجدت ذاتي فيه، ولدي شغف كبير في تطويره”.
اقرأ أيضًا: